يأتي «أطيّر صوامع الغلال عالياً» استمراراً لتجربة الشاعر مازن اليحيا التي أُتيح لي الاطلاع عليها متفرقةً في التسعينات عبر الصديق يوسف المحيميد أو عبر الصفحات الثقافية بمجلة الجيل (إن لم تخنّي الذاكرة).. أو مجموعةً في ديوانه الثاني «رسّامٌ علّمني» الصادر عن دار شرقيات المصرية في العام 2011.. حيث الملمح الأبرز – لهذه التجربة – الاتكاء على رسْم النص رسماً مشهديا، والإحاطة به عبر تدوين التفاصيل الصغيرة التي تنقل الكتابة من مجرّد الرصد والسكون إلى التناغم والفاعلية؛ حركة صاعدة تنقدح بشرارت متلاحقة تصنع الأثر والشعر. وربما أبلغ تمثيل لهذا الاتجاه وذروته عند مازن تجسّد في نصه «إيقاع مستمر» بقفلته الرائعة عن والده الفنان الكبير عبدالجبار اليحيا (1931 – 2014) وتجربة السبع سنوات من حياته في المجر التي ذهب إليها كمنفى اختياري ومعتزَل يتيح له الرسم لكنه رغم ذلك يظلّ مربوطاً بجذوره وذاكرته الأولى في البصرة عبر النخلة؛ يستعيدها مازن حركيّا من الثلج ومن الملح يرشّه الأب على المائدة صانعاً نخلته ثم يمحوها معوّلاً على الصورة الباقية منها: «سألته: أهذا ما ستفعله بيومك؟ تملّى النخلةَ البيضاءَ، شيئاً، وبراحِهِ اليمنى محاها، وقال: لا سأمضي يومي كله أذكرُها». عبدالله السفر