أظن أن مونيكا هي الوحيدة على وجه الأرض بعد حواء التي أدركت كيف تتعامل مع الرجل، بالحيلة والخديعة والتميّع الذي يكسِرُ كل هاماته وجبروته وكبريائه. كنت أكثر المحظوظين حينها، فهي تكبرني بأكثر من عشرة أعوام، وتأتي دائماً إلى دكان جدّي لتتحدث إليَّ ثم يطردها جدي كعادته. رجال السوق يتمنون لو لامسوا قبّتها البنيّة تلك، وسحنتها البراقة اللامعة. لم يستطع أحد ترويض تلك الشرسة حتى بالمال. عربيّة الأب من أم صربيّة. بعد الحرب العالمية الثانية، نزلت أمها من البارجة الحربيّة البريطانية على شواطئ مطرح كمبعوثة سامية للقنصل البريطاني، ثم تزوجت من عسكري بالجيش النظامي التابع لسلطان البلاد، وتركت العمل الدبلوماسي في القنصلية، وتوفيت ودفنت في مقابر الإنجليز. فتركوا لمونيكا البيت المحاذي لقصر السلطان. ثم قررت القنصلية أن تجعل من البيت مكتباً للمعاملات التجارية بين مسقط وبريطانيا العظمى، وأجبرت مونيكا على أن تسكن في أحد البيوت بوسط السوق. مر عشرون عاماً، هل سأراها مجدداً؟ الشبّاك هو نفسه، والبيت لم يتغير سوى أن سيقان الشجر غطت جداره. وقفت على الشبّاك، مرتعداً من المجهول الذي ينتظرني، إلهي كيف أصبحت هذه الجميلة بعد تلك السنين؟ طرقت الشبّاك طرقاً خفيفاً جداً، بطرفِ سبّابتي. لم يجب أحدٌ، فهَممتُ بالرحيل. فُتِحَ الشُبّاك بعد أن أدرتُ ظهري له.